صلاة الاستسقاء

الاستسقاء لغةً طلب السُّقيا، وشرعًا طلب سُقيا العباد من الله تعالى عند الحاجة إليها، وهي صلاة مسنونة مؤكدة، والأصل فيها قبل الإجماع الاتباعُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان. وتنقسم إلى ثلاثة أنواع: أدناها يكون بالدعاء مطلقًا، وأوسطها يكون بالدعاء خلف الصلوات المفروضة كما في شرح مسلم وكذا خلف النوافل وفي خُطبة الجمعة والأفضل أن تكون بالصلاة والخطبة فيأمرهم الإمام بالتوبة من جميع المعاصي الفعلية والقولية، ويُذكّرهم بشروط التوبة من الندمِ والإقلاعِ والعزمِ على أن لا يعودوا، ويوصيهم بالإكثار من الصدقة على المحتاجينَ والخروج من المظالم والمبادرة إلى مصالحة الأعداء ولا سيما إذا كان التشاحن لأمرٍ دنيويٍ ولحظِّ نفسٍ قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾.
ويذكرهم بتأْدِية الزكاة المفروضة لحديث البيهقي: "ولا مَنعَ قومٌ الزكاةَ إلا حُبِسَ عنهم المطرُ".
ثم يخرج الإمام بالناس ويستحب إلى فلاة تأسِّيًا برسول الله ويدعوهم لإحضار الصبيان والعجائز في ثياب بِذْلَة أي مهنة أي ما يُلبس من الثياب وقت الشغل ومباشرة الخدمة وتصرُّف الإنسان في بيته، ويكون ذلك في استكانَةٍ أي خشوع وحضور القلب وسكون الجوارح وفي تضرّع إلى الله تعالى، ويسن لهم التواضع في كلامهم ومشيهم وجلوسهم، ويتنظفون بالسواك وقطع الروائح الكريهة بالغسل، ويخرجون من طريق ويرجعون في أخرى، ويخرجون معهم ندبًا الصبيان والشيوخ والعجائز ولا تُمنع إماءُ الله من الحضور لكن ليخرجن خاليات من الطيب والزينة ولأن دعاءهم أقرب إلى الإجابة إذ الكبير أرق قلبًا والصغير لا ذنب عليه ولقوله صلى الله عليه وسلم: "وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم" رواه البخاري.
وفي الحديث الشريف أن نبيًا من الأنبياء خرج ليستسقي وإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء فقال: "ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل النملة". حيث روي في قصة الحديث أن النبي هو سليمان عليه السلام وأن النملة وقعت على ظهرها ورفعت يديها إلى السماء وقالت: "اللهم أنت خلقتنا وإنا خلق من خلقك لا غنى لنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب العصاة من بني ءادم".
ويسن بكل أحد ممن يستسقي أن يستشفع مما فعله من خير بأن يذكره في نفسه فيجعله شافعًا لأن ذلك لائق بالشدائد، كما في خبر الثلاثة الذين ءاوَوْا في الغار وأن يستشفع بأهل الصلاح لأن دعاءهم أقرب للإجابة لا سيما ءال بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما استشفع عمر بالعباس رضي الله عنهما فقال: "اللهم إنا كنا إذا قحطنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا فاسقِنا" فيسقون. رواه البخاري فيصلي الإمام بهم ركعتين وذلك اقتداء برسول الله كما رواه الشيخان وهما كصلاة العيدين في كيفيتهما من التكبير بعد الافتتاح وقبل التعوذ والقراءة سبعًا في الأولى وخمسًا في الثانية، يرفع يديه ووقوفه بين كل تكبيرتين كآية معتدلة، والقراءة في الأولى جهرًا بسورة ﴿ق﴾ وفي الثانية ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ أو ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ ولا تؤَقّت صلاة الاستسقاء بوقت فتصلى في أي وقت كان من ليل أو نهار، ثم يخطب الإمام بعد الركعتين ويبدل تكبير الخطبتين باستغفار فيقول: "أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه" بدل كل تكبيرة، ويكثر في أثناء الخطبتين من قول: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾.
ويكثر من دعاء الكرب وهو: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرضين ورب العرش الكريم".
ويتوجه الإمام للقبلة من نحو ثلث الخطبة الثانية ويحوّل الخطيب رداءه عند استقبال القبلة للتفاؤل بتحويل الحال من الشدة إلى الرخاء، ويجعل يمين ردائه يساره وعكسه يجعل أعلاه أسفله، ويكثر في الخطبتين من الدعاء ويبالغ فيه سرًا وجهرًا ويرفع الحاضرون أيديهم بالدعاء مشيرين بظهور أكفهم إلى السماء اتباعًا لرسول الله، والحكمة فيه أن القصد رفع البلاء بخلاف القاصد حصول شىء، كما يكثر من الاستغفار والصلاة على النبي لأن ذلك أرجى لحصول المقصود ويدعو في الخطبة الأولى بدعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا محق ولا بلاء ولا هدم، اللهم على الظِراب والآكام ومنابت الشجر وبطون الأودية، اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا مريعًا غدقًا مجللًا، سَحًّا طبقًا دائمًا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد من الجهد والجوع والضنك ما لا نشكو إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدِرَّ لنا الضَّرْع وأنزل علينا من بركات السماء، وأنبِتْ لنا من بركات الأرض، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا فأرسل السمآء علينا مدرارًا".
عند الرعد يقول: سبحان من يُسبّح الرعد بحمده والملائكة من خِيفته.
وعند البرق يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبّوح قدّوس.
وأن يقول في أثر المطر: مُطرْنا بفضل الله علينا ورحمته لنا.
اللهم تقبل منا صلاتنا وصيامنا وركوعنا وسجودنا ودعاءنا بجاه حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم. ءامين