الجنيد البغدادي

من أعيان الصوفية

الجنيد البغدادي

العارف بالله الجنيد البغدادي رضي الله عنه

نسبه ومولده
الإمام العَارِفُ مفتي الفريقين وشيخ الطائفتين أَبُو القَاسِمِ الجُنَيْدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الجُنَيْدِ النَّهَاوَنْدِيُّ ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، القَوَارِيْرِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي ثَوْرٍ صاحب الإمام الشافعي. وَسَمِعَ مِنَ السَّرِيِّ السَّقَطِيِّ وَصَحِبَهُ، والسري السقطي خال الجنيد ترجمه العلماء والأولياء بالمكانة العظمى والمرتبة العليا. وَصَحِبَ أَيْضًا الحَارِثَ الـمُحَاسِبِيَّ، وغيرهما من أجلة المشايخ.
مناقبه
أَتْقَنَ العِلْمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ، وَتَعَبَّدَ، وَنَطَقَ بِالحِكْمَةِ، قَالَ ابْنُ المُنَادِي: سَمِعَ الكَثِيْرَ، وَشَاهَدَ الصَّالِحِيْنَ وَأَهْلَ المَعْرِفَةِ، وَرُزِقَ الذَّكَاءَ وَصَوَابَ الجَوَابِ. لَمْ يُرَ فِي زَمَانِهِ مِثْلُهُ فِي عِفَّةٍ وَعُزُوفٍ عَنِ الدُّنْيَا.
قال السبكي: سيد الطائفة ومقدم الجماعة وإمام أهل الخرقة وشيخ طريقة التصوف وعَلم الأولياء في زمانه.
واتفق العلماء على أن طريقة الإمام الجنيد طريقة متبعة، ومذهبه مذهب سالم. أخذ الطريقة ولبس الخرقة من يد خاله السرِي السقطي رضي الله عنه، وهو لبسها من يد الإمام معروف الكرخي، وهو لبسها من يد الإمام داود الطائي، وهو لبسها من يد الإمام الحسن البصري، وهو لبسها من يد سيدنا ومولانا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما أورد ذلك الحافظ السيوطي.
كَانَ الكَتَبَةُ-يَعْنِي: البُلَغَاءَ-يَحْضُرُونَهُ لأَلفَاظِهِ، وَالفَلاسِفَةُ يَحْضُرُونَهُ لِدِقَّةِ مَعَانِيْهِ، وَالمُتَكَلِّمُوْنَ يَحْضُرُونَهُ لِزِمَامِ عِلْمِهِ.
كراماته
اشتهر عنه كرامات منها أن الشيخ كان يتكلم على الناس فوقف غلام نصراني متنكرًا وقال: أيها الشيخ ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى" رواه الترمذي، فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال له: أسلِم فقد حان وقت إسلامك، فأسلم الغلام. والناس معتقدون أن هذا للجنيد كرامة واحدة وإنما فيه كرامتان إحداهما اطلاعه على كفر الغلام، والثانية اطلاعه على أنه سيسلم في الحال.
إن الإمام الجنيد قدس سره ونفعنا به ورث هؤلاء الرجال الأكابر أمثال السري السقطي ومعروف الكرخي وعلي بن موسى الرضى وداود الطائي، وشرح مضمر فضلهم، وكشف كنوز معارفهم، وجمع لهم مذهبًا، وبنى لهم طريقًا يتوصل الناس به إليهم رضي الله عنهم، قام نائبًا عن السلف وإمامًا للخلف.
حبه للعبادة
كَانَ الجُنَيْدُ يَفْتَحُ حَانُوتَهُ وَيَدْخُلُ، فَيُسْبِلُ السِّتْرَ، وَيُصَلِّي أَرْبَعَ مائَةِ رَكْعَةٍ، كل يوم. ويسبح كذا كذا ألف تسبيحة.
من مواعظ الجنيد البغدادي رضي الله عنه
قَالَ الجُنَيْدُ:كُنْتُ بَيْنَ يَدَيِ السِّرِيِّ أَلْعَبُ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِيْنَ، فَتَكَلَّمُوا فِي الشُّكْرِ؟ فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! مَا الشُّكْرُ؟ قُلْتُ: أَنْ لاَ يُعْصَى اللهُ بِنِعَمِهِ.
يقول رضي الله عنه:"واحذر الحسرة عند نزول السكرة فإن الموت ءاتٍ وقد مات قبلك من مات".
"اتق الله وليكن سعيك في دنياك لآخرتك، فإنه ليس لك من دنياك شىء، فلا تدخرن مالك، ولا تتبع نفسك ما قد علمت أنك تاركه خلفك ولكن تزود لِبُعْدِ الشُّقَّةِ، واعدد العدة أيام حياتك وطول مقامك قبل أن ينــزل بك قضاء الله ما هو نازل فيحول دون الذي تريد، صاحِب الدنيا بجسدك، وفارقها بقلبك، ولينفعك ما قد رأيت مما سلف بين يديك من العمر وحال بين أهل الدنيا وبين ما هم فيه، فإنه عن قليل فناؤه، ومخوف وباله، وليزِدك إعجاب أهلها زهدًا فيها وحذرًا منها فإن الصالحين كذلك كانوا ".
"اعلم يا ابن ءادم أنّ طلب الآخرة أمر عظيم لا يقصر فيه إلا المحروم الهالك، فلا تركب الغرور وأنت ترى سبيله، وأخلِص عملك، وإذا أصبحت فانتظر الموت، وإذا أمسيت فكن على ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنّ أنجى الناسِ من عمل بما أنزل الله في الرخاء والبلاء".
"يا ابن ءادم دينك دينك، نعوذ بالله من النار فإنها نار لا تنطفىء، وعذاب لا ينفد أبدًا، ونفس لا تموت، يا ابنَ ءادم إنك موقوف بين يدي الله ربك ( أي للحساب) ومرتهن لعملك، فخذ مم في يديكَ لما بين يديك، عند الموت يأتيك الخبر، إنك مسئول ولا تجد جوابًا، إنك ما تزال بخير ما دمت واعظًا لنفسك محاسبا لها وإلا فلا تلومن إلا نفسك".
ومن مواعظه أيضًا
كان الجُنَيْد يَقُوْلُ غَيْرَ مَرَّةٍ: عِلْمُنَا مَضْبُوطٌ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مَنْ لَمْ يَحْفَظِ الكِتَابَ وَيَكْتُبِ الحَدِيْثَ وَلَمْ يَتَفَقَّهْ، لاَ يُقْتَدَى بِهِ.
وقال الإمام الجُنَيْد رضي الله عنه: التوحيد إِفرَادُ القَدِيْمِ من المـحدَثِ.اهـ حكاه عنه الإمام أبو القاسم القشيري والحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهما.
وسئل عن التصوف فقال: الخُرُوجُ عَنِ الوَطَنِ، وَقَطْعُ الـمَحَابِّ، وَتَرْكُ مَا عَلِمَ أَوْ جَهِلَ، وَأَنْ يَكُوْنَ المَرْءُ زَاهِدًا فِيْمَا عِنْدَ اللهِ، رَاغِبًا فِيْمَا للهِ عِنْدَهُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، حَظَاهُ إِلَى كَشْفِ العُلُوْمِ، وَالعِبَارَةِ عَنِ الوُجُوهِ، وَعلمِ السَّرَائِرِ، وَفِقْهِ الأَرْوَاحِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الجَرِيْرِيُّ: سَمِعْتُ الجُنَيْدَ يَقُوْلُ: مَا أَخَذْنَا التَّصَوُّفَ عَنِ القَالِ وَالقِيْلِ، بَلْ عَنِ الجُوْعِ، وَتَركِ الدُّنْيَا، وَقَطْعِ المَأْلُوفَاتِ.
وَمُرَادُهُ: قَطْعُ أَكْثَرِ المَأْلُوْفَاتِ، وَتَرْكُ فُضُوْلِ الدُّنْيَا، وَجُوْعٌ بِلاَ إِفرَاطٍ.
فالسَّعَادَةُ فِي مُتَابَعَةِ السُّنَنِ، فَزِنِ الأُمُورَ بِالعَدْلِ، وَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ،وَالزَمِ الوَرَعَ فِي القُوْتِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ، وَاصْمُتْ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ، فَرَحْمَةُ اللهِ عَلَى الجُنَيْدِ، وَأَيْنَ مِثْلُ الجُنَيْدِ فِي عِلْمِهِ وَحَالِهِ؟
وفاتـه:
توفي رضي الله عنه سنة 297 هـ
ومقامه في الجانب الغربي من مدينة بغداد مزار ظاهر على رؤوس الأشهاد.